تلك الأيادي بأناملها الغض خطت ورسمت .. والحروف لا تقبل المجازفة .. والأنامل تخط ما في القلب من أحاسيس .. ثم ترسم دائرة غير مكتملة .. وتلك هي الإشارة .. وعندما حانت لحظة الآهات والأنات وقف القلم عاجزاً .. ولم يستطع أن يرسم حرقة صادرة من أعماق جوف يتألم .. وتلك محنة جماد لم يجرب الألم من قبل .. فيرفض القلم ويمسك عن العطاء .. فاجتهدت ثم مدت طرف القلم تبلله من ريقها العطر .. فلم ينصاع القلم .. ثم غمست سنة اليراع في نقطة دمعة سقطت من خدها .. فتألم القلم وتأثر ثم أطاع الأمر .. فأنزلت الآيات تسطرها بغير تركيز .. وكأنها تخشى أن يتمرد القلم من جديد .. فصبراً يا هذه .. فإن العبارات قد طمست في نواحيها بدرر من دموع .. وبعض الحروف قد خرجت عن مسارها فقد اضطربت الأنامل في لحظات الشجن والمحن .. ونعلم أن القلب يصر ويريد أن يزيح بعض الهموم بتلك الحروف والأسطر .. فتمهلي .. ثم رويداً فإن الصفحة البيضاء قد أزعجها الأنين .. وتبللت بدموع قد سكبت ثم أصبحت هالكة لا تحتمل المزيد .. فخذي من الأنفاس صبراً ثم توقفي فقد عجز القلم عن المسير .. وهو كطفل في روضة أطفال لا يستطيع اللفظ إلا بالتلقين .. وكذا اشتكت الأنامل من خنق على يراع قد أجلب لها الأنين .. ثم الطامة الكبرى فقد مزقت الصفحة ثم بدأت من جديد .. فضاعت تلك اللحظات في لحظة يأس وقنوط .. لتبدأ خطوة الآلام والحسرات من جديد .. فيا لها من مزيد .. تسابق أشواقها وشجونها عقلها فلا يستطيع العقل أن يواكب الترتيب .. وتسابق دموعها لسانها فيغشى عيونها التعتيم .. فلا ترى موضع القلم حتى تخط فيخرج القلم عن خارج التحديد .. وكلمات كثيرة قد اشتكت لأنها تبحث عن الحروف .. وحروف كثيرة قد اشتكت لأنها تفتقد التنقيط .. تدفقات فائقة من أحاسيس وشعور .. تواكبها تدفقات جامحة من تنهدات ودموع .. وتلك لعمري فوهة بركان تتدفق منها حمم ونيران .. فيشتكي الجميع في ساحة الأسطر .. اليراع والصحيفة والأنامل ثم الحروف .. ولكن هي لا تمل وتصر على وضع الحروف .. تغسل دموعها مواضع الحسن في خدها .. ولا تغسل دموعها مواضع الآهات في صدرها .. وتلك الحروف مهما جرت وتشكلت لا تستجلب لها غير المزيد من اللوعات .. !! فهي إن توقفت عن الحروف تكتم الآهات في جوفها وتحترق .. وإن تمادت تجلب الأعين لأسرارها ثم تحفر قبرا بيدها فتنتحـر !!